مع د. باولا.. على دروب التسامح

لم يقتصر عمل البروفيسورة الإسبانية باولا سانتيَان غريم على الجانب الأكاديمي في الترجمة وتدريس اللغة العربية في عدد من دول العالم فقط، بل استطاعت عبر التواصل بلغات متعدّدة أن تبني قاعدة قوية لخلق فهم مشترك يعزّز الاحترام بين الشعوب. أوصلتها رحلتها المفعمة بالتجارب إلى العاصمة أبوظبي لتتحدّث عن التسامح وأهميته الكبيرة خال شهر رمضان المبارك.

حصلت الدكتورة باولا على الدكتوراه في اللغويات العربية من جامعة غرناطة. وحاضرت في العديد من الجامعات العربية والدولية من بينها جامعة بومبيو فابرا وجامعة برشلونة في إسبانيا، كلية ميدلبوري (فيرمونت) وجامعة ميشيغان في الولايات المتحدة، وجامعة الأخوين في المغرب.

خلال رحلتها الحياتية، عاشت في العديد من بلدان العالم، ما شكّل لها مخزوناً معرفياً تبني عليه رؤاها وأفكارها عن الحياة والمهنة، والقدرة على بناء الجسور بين الشعوب، خاصة أنها عملت كمترجمة ثلاثية اللغات (العربية والإنجليزية والإسبانية) مع الأمم المتحدة في جنيف، وتدرك أهمية التواصل بين الشعوب وتعزيز قيمة عظيمة مثل التسامح اتخذتها دولة الإمارات نمط حياة.

في الدورة الأخيرة من جائزة الشيخ زايد للكتاب، تم اختيارها لتكون عضواً في الهيئة العلمية للجائزة، كما اختارها تلفزيون أبوظبي لتقدّم خلال الشهر الفضيل مقاطع مصوّرة قصيرة أو ما يسمّى «فلرات » تحت اسم «مع د. باولا » عن روح التسامح في الإمارات والعالم، ومفهوم التسامح بشكل عام.

في حلقة لها بعنوان «التسامح في العمل » تقول: «لا يسير التسامح في طريقة واحدة، ولا يتوقف في محطة واحدة، وإنما يتشعب ليغطي جميع مناحي الحياة، وفي العمل والوظيفة هو مسار لا يجب الحياد عنه، بل يتوجب الانحياز له، ومن هنا يتحتم وجود آليات تجعل من التسامح سمة في بيئة العمل والأعمال، لكي تنجح ولكي تزدهر، وينعكس ذلك على أداء البيئة الوظيفية والعملية عبر مظاهر متعددة منها: ضمان العيش الكريم والسعيد لمختلف شرائح المجتمع، وتكريس احترام ثقافة الآخر، ومنظومة قانونية تكفل حقوق كل فرد وتحدد واجباته».

وعلّق تلفزيون أبوظبي على مشاركتها الرمضانية: «بالتزامن مع عام التسامح تأتي فكرة فلرات التسامح مع الدكتورة باولا غريم، لإبراز روح التسامح وتكريس فلسفة وفكر القيادة الرشيدة بأهمية تعزيز التعايش والتسامح، وترسيخ المفهوم الحقيقي للمجتمع المتسامح ».

وأضاف: «خلال شهر رمضان المبارك تطل علينا الدكتورة باولا بنماذج حيّة تكرس مبدأ التسامح والتعايش السلمي، وتطرح علينا مواضيع متجددة عميقة تخاطب العقل المتسامح والمنفتح ».

عن بداية علاقتها مع تلفزيون أبوظبي وكيفية تقديم «فلرات » عن التسامح تقول ل «ومضات « :» بدأت علاقتي بأبوظبي للإعلام في عام زايد، أي قبل عام التسامح بعام. آنذاك اقترحت هذه الجهة الكريمة لي مشاركتي في تصوير برنامج جديد يدور حول التجربة في تعلم اللغة العربية من قبل ناطقين بغيرها تمكنوا من الوصول إلى مستوى متميز بها، بل وصلوا إلى درجة إتقانها كلغة أجنبية. ومن ثم تسلسلت الأمور تسلسلاً طبيعياً حتى تبلورت فكرة مشاركتي في تصوير «فلرات » (fillers) عن موضوع التسامح الذي يعرض خلال شهر رمضان المبارك».

«علمتني الحياة خلال مسيرتي
الأكاديمية والأسفار التي قمت بها أن
التسامح مفتاح لكل عقل ولكل قلب..
لنتسامح .. لنتعايش... لنتعارف».

تنطلق الدكتورة باولا سانتيَان غريم فيما تقدّمه على شاشة تلفزيون أبوظبي من خلفيتها العرقية المتنوعة والمتشابكة، وأيضاً من علاقتها مع العالم العربي منذ فترة طويلة، وتدريسها للغة العربية في عدد من الدول.

وتقول خلال حوار «ومضات » معها: «من الدوافع التي تقف وراء هذه الفكرة هي كوني أشكّل بوتقة ثقافات ولغات متنوعة ورمزاً للتسامح بحد ذاته، فأنا إسبانية الجنسية ومسقط رأسي مدينة برشلونة؛ والديّ من الأرجنتين (اضطرا للهجرة إلى أوروبا سنة 1975 عند تفشي حكم الدكتاتورية العسكرية في بلادهما)، وكان جدّي من طرف أمي من رومانيا وجدتي من يوغوسلافيا السابقة، وكلاهما من أصول ألمانية. علاوة على ذلك ابنتي سلمى مزيج من أب مغربي وأم إسبانية، شكلها روسي ولسانها الثاني عربي! ».

تقول د. باولا في بداية كل حلقة: «علمتني الحياة خلال مسيرتي الأكاديمية والأسفار التي قمت بها أن التسامح مفتاح لكل عقل ولكل قلب.. لنتسامح.. لنتعايش... لنتعارف».

وتوضح لنا الدكتورة باولا أكثر المعنى المتجسد في الجملة التي تكرّرها عن قيمة التسامح والمرتبطة بتجاربها الشخصية وحياتها الأكاديمية وتطلعات الطفولة التي داعبت أحلامها، قائلة: «إن تجاربي في وسائل الإعلام تعني الكثير لي لأسباب عدة: أولها تحقيق أمنية طفولتي ومراهقتي بأن أصبح ممثلة. فقد أخذت دروس التمثيل المسرحي منذ أن كان عمري 10 سنين في برشلونة، كما شاركت في مسرحيات خلال مهرجانات محلية، وأخرى في شوارع المدينة. وعندما عشت في دمشق صوّرت إعلانين للتلفزيون السوري )وعُرضا خلال شهر رمضان أيضاً!(. في نهاية المطاف لم أصبح ممثلة، غير أن هذا التكوين في مجال التمثيل ساعدني كثيراً خلال حياتي، فأنا شخص لا يشعر بالخجل أمام الكاميرات، ولا أخاف من التعبير الشفوي أمام جمهور واسع. كما ساعدني التمثيل على تطوير مهاراتي كأستاذة وكمترجمة فورية بما يخص النطق والسلاسة».

وتضيف: «أما السبب الثاني فهو الشعور بالفخر الذي أحسّ به عندما أفكر أنني اُختِرتُ لأمثل قيمة عام 2019 الأخلاقية السامية: التسامح؛ وعندما أفكر في كل الوقت الذي استثمرته لتمكيني من التعبير والتفكير والإحساس بلغة الضاد التي تُعتبر من أجمل اللغات في العالم… وأصعبها! ينتابني إحساس لا يوصف، وأشعر بالقشعريرة عند إدراكي قيمة هذه التجربة عملياً ومعنوياً».

« وإذا أردت أن أضيف سبباً ثالثاً – تقول الدكتورة باولا - فهو مجرّد الاستمتاع بالتجربة التصويرية كحادث يضيف الجديد في حياة امرأة عاشت الكثير من التجارب والمغامرات الفريدة والممتعة في أرجاء العالم».

بالنسبة لها، يشكل اختبار السياقات غير العادية والاحتكاك بأشخاص محترفين في مجالات تختلف اختلافاً جذرياً عن المجالات التي تعمل فيها، أمراً يساعدها على تطوير نفسها، «فهو نوع من التعلم لا يُدرّس في أحسن الجامعات، ويفيد الإنسان إفادة كبيرة في حياته » كما تعلّق.

وتشير إلى أن «موضوع الاحتكاك بما هو جديد يتعلق بأمور مهمة مثل تأثير تعلم لغات أجنبية على التسامح والتقارب بين الشعوب. لماذا؟ لأن مبدأ التسامح يرتكز على الخروج من منطقة الراحة التي عادة يميل الإنسان للتكيف معها.. وتعلم لغة مختلفة لا يوفر لنا مفردات وقواعد تمكننا من التواصل بسلاسة مع أناس جدد فحسب، بل يوفر لنا فرصة للتعرّف على وجهات نظر مختلفة وحتى للتعمق في لغتنا الأصلية ». تقدّم الدكتورة باولا أفكارها عن الحياة وما عاشته من تجارب عبر موقعها الإلكتروني ) cashida.net (، وهو فسحة لها للتواصل مع الآخرين، والاطلاع على تجاربهم أيضاً. وتختم حديثها معنا بقولها: «من الإيجابي أن يدرك الإنسان أن ما يعتبره «عادياً » قد يمثل ظاهرة فريدة في لغة أخرى، وبالتالي في طريقة تفكير إنسان آخر. فكلما تعلمنا أكثر عن ثقافات غير ثقافتنا -بما فيها لغاتها- توسّعت حدودنا المعرفية والإنسانية؛ وهكذا سنكتشف أنه في حقيقة الأمر، لا حدود للمعرفة والإنسانية أساساً».

كلمات في التسامح

«نهج الإسام هو التعامل مع كل شخص كإنسان بغض النظر عن عقيدته أو عرقه».
الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه.


«نتطلع للمساهمة في بناء مجتمعات تؤمن بقيمة التسامح والانفتاح والحوار بين الثقافات، وتؤسس نماذج حقيقية تعمل على تحسين واقع التسامح عربياً وعالمياً ».
صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله.

«تربينا في مدرسة زايد على قيم نبيلة عدة من أهمها التسامح... والإمارات ستظل النموذج والقدوة في الانفتاح الواعي على الآخر وتقبّل أفكاره وتفهّم متطلباته، فالجميع في بلدنا يعيشون ويعملون دون تفريق بين مواطن ومُقيم ».
صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله.

«إنّ دولة الإمارات، ومن خال سياستها ونموذجها في المنطقة، ترسل رسائل إيجابية حول ضرورة التسامح والتعايش والعمل التنموي المشترك، للتصدي للعديد من التحديات التي تواجهنا مجتمعين في إطار الأسرة الدولية ».
صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة.

«تتمتع دولة الإمارات بالقدرة على الريادة والمبادرة والابتكار، فهي دولة قائدة ورائدة في تنمية الجوانب الإيجابية في العلاقات بين الثقافات والحضارات وتعميق الوعي بها بما يسهم في توطيد أواصر الود والتفاهم والتعايش بين الأمم والشعوب ».
معالي الشيخ نهيان بن مبارك، وزير التسامح.