إدارة تأثيرات الجاذبية الصغرى

يأمل فريق من طاب جامعة نيويورك - أبوظبي في الكشف عن أسباب انخفاض الاستجابة المناعية للجسم عند التعرض لظروف مشابهة لظروف الفضاء، والإسهام في تحسين صحة رواد الفضاء في المستقبل.

تقول سيون هاو: «للفضاء أهمية كبرى، ليس فقط بالنسبة لتطور فهمنا للعالم، لكنني سأقول إن الفضاء، في الأصل، أصبح جزءاً لا يتجزأ من عالمنا. إننا نستكشف الفضاء بغية فهم تاريخنا ومكاننا في الكون. كما أننا نستكشف الآمال الناتجة عن الفرص التي يوفرها الفضاء لنا في المستقبل».

سيون هاو، الطالبة المتخصصة في السنة الثانية من علوم الأحياء في جامعة نيويورك - أبوظبي، من أفراد الفريق الفائز بتحدي «اختبارات المدار »؛ المسابقة التي أطلقتها وكالة الإمارات للفضاء، بالتعاون مع كليات التقنية العليا في دبي. ضمّت المسابقة فرقاً من طاب الجامعات والكليات في دولة الإمارات لتطوير وتصميم وإدارة تجارب النانو، مع إتاحة الفرصة لإطاق التجارب الفائزة في محطة الفضاء الدولية كجزء من برنامج الإمارات الفضائي.

وتضيف هاو: «حالياً، وفي أي وقت، يمكن أن يكون هناك حتى 10 أشخاص في محطة الفضاء الدولية. وكلما اكتشفنا المزيد بشأن الفضاء واستثمرنا أكثر في المشاريع المتعلقة بالفضاء، فمن الوارد أن يزداد تعرض الأشخاص الذين يرسلون إلى الفضاء لظروف الجاذبية الصغرى، وبهذا فإن الأمر الأهم هو أن نكون على أتم الاستعداد لهذا، وأن نفهم كيف تستجيب أجسادنا للبيئة الخارجية».

تهدف المنافسة إلى مساعدة الأبحاث في مجال تأثيرات الجاذبية الصغرى على مجالَي الحياة في الفضاء والطاقة في الفضاء. الجانب الأول لضمان الصحة والسامة الأمثل لرواد الفضاء خال التعرض الطويل لبيئات الجاذبية الصفرية. والجانب الثاني لاختبار مصادر الطاقة الجديدة التي يمكن أن تعمل جيداً في بيئة الجاذبية الصغرى.

ضمّت المسابقة فرقاً من طلاب الجامعات والكليات في
دولة الإمارات لتطوير وتصميم وإدارة تجارب النانو، مع إتاحة
الفرصة لإطلاق التجارب الفائزة في محطة الفضاء الدولية .

على سبيل المثال، يعدّ فقدان المعادن في العظام من أخطر المشكلات الناتجة عن انعدام الوزن لفترات طويلة، بحسب كلام منظمي المسابقة. إذ يمرّ الأشخاص المعرضون لظروف الجاذبية الصغرى بالعديد من التغيرات الفسيولوجية، منها انخفاض كثافة العظام، وتدهور أداء العضات ونقص المناعة. وعلى الرغم من الدراسات التي أجريت داخل الأجسام وفي المختبرات في ظروف المحاكاة والجاذبية الصغرى، فإن استجابات آلية فقدان العظام وتدهور أداء العضات والمناعة لا تزال غير مفهومة كما ينبغي.

وبشكل مشابه، يعاني رواد الفضاء من أعراض واضحة للأنيميا التي يسببها انحال الخلايا، وهي عملية تتضمن تمزيق خلايا الدم الحمراء الجديدة انتقائياً. وقد أظهرت الدراسات أن حجم خلايا الدم، وتركيز خضاب الدم (الهيموغلوبين) وعدد خلايا الدم الحمراء لا يختلف بشكل كبير بين قبل وبعد الرحلة إلى الفضاء. ومع ذلك، فإن النسبة المئوية لخلايا الدم الحمراء الجديدة تنخفض بعد الرحلة، وتفقد الخلايا الجديدة قابليتها للحياة، مما يدل على حدوث تدمير لخلايا الدم الحمراء في الفضاء.

من الأفكار الرئيسة التي حملتها مسابقة اختبارات المدار صحة الإنسان / رائد الفضاء الخارجي، بحسب قول هاو التي تتابع: «عندما بدأنا القراءة عن الصحة في الفضاء، عرف الفريق من خال الأبحاث التي أجرتها «ناسا » سابقاً أن الاستجابة المناعية للإنسان تتعطل خال الرحلة في الفضاء. لقد أثارت هذه النتائج إعجابنا وأردنا تصميم تجربتنا الخاصة للتوصل إلى الأسباب وراء انخفاض الاستجابة المناعية في الفضاء. وبالنظر إلى أن فريقنا مؤلف من مهندسي كهرباء، وفيزيائيين، وخبراء كمبيوتر وأخصائيين في علم الأحياء، فقد كانت تجربتنا وحلولنا، بطبيعتها، متعددة الاختصاصات».

إضافة إلى سيون هاو، تألف فريق جامعة نيويورك - أبوظبي من الطالب المتخصص في الفيزياء وعلوم الحاسوب شانتاون جايين، والطالبين المتخصصين في الهندسة الكهربائية روميل ميمون وأحمد نصرالله، والمتخصص في الهندسة الميكانيكية ماجد عباسي والمتخصص في الفيزياء أومانج ميشرام. وهم جميعاً من دفعة عام 2021 في جامعة نيويورك - أبوظبي.

ويهدف مشروع فريق جامعة نيويورك - أبوظبي الفائز «تفاعل السيتوكين مع الخلايا الجذعية المكونة للدم في بيئة الجاذبية الصغرى » إلى الكشف عن الأسباب الكامنة وراء الانخفاض في الاستجابة المناعية لرواد الفضاء عند التعرض للجاذبية الصغرى أو ظروف المعيشة بالفضاء، وبالتالي سوف يسهم في تحسين صحة رواد الفضاء في المستقبل.

تقول سيون هاو: «تتضمن التجربة إرسال الخلايا الجذعية المكونة للدم إلى محطة الفضاء الدولية في مختبر نانو بأبعاد 10x10x15 سم، ومراقبة كيف تؤثر عوامل الجاذبية الصغرى في الخلايا، ولماذا يقودنا هذا إلى تغيير في الجهاز المناعي. وبعد استرجاع العينات من المحطة الفضائية، سنجري المزيد من التجارب التحليلية على الخلايا التي سنستعيدها. كما سيعدّ مختبر نانو مشابهاً على الأرض لمقارنة نتائج تجربتنا. الأمر الأكثر إثارة هو أن فريقنا سيحظى بفرصة الذهاب إلى موقع الإطاق في الولايات المتحدة ليشهد صعود التجربة إلى الفضاء».

«كلما حاولنا اكتشاف المزيد بشأن
الفضاء واستثمرنا أكثر في المشاريع
المتعلقة بالفضاء، ازداد تعرض الأشخاص
الذين يرسلون إلى الفضاء لظروف
الجاذبية الصغرى، لذا فإن من المهم
أن نكون على أتم الاستعداد لهذا، وأن
نفهم كيف تستجيب أجسادنا للبيئة
الخارجية».
سيون هاو، طالبة في السنة الثانية متخصصة في
علوم الأحياء، جامعة نيويورك - أبوظبي.

أصبحت فرصة الإطاق ممكنة من خال الشراكة مع المنصة التعليمية لأبحاث الفضاء «دريم آب» (DreamUp)، التي توفر للمدارس والجامعات وصولاً منخفض التكلفة لمنصات أبحاث الفضاء في المطقة دون المدارية أو المدار الأرضي المنخفض، واتفاقية قانون الفضاء مع «ناسا ». كما تشمل التجربة التعاون مع «نانوراكس» ( NanoRacks ) التي تنتج وتطور منتجات للاستخدام التجاري في الفضاء. كما ستوفر «نانوراكس » الدعم التقني والهندسي لفريق جامعة نيويورك -أبوظبي. وتقرّ هاو بأن إطاق المشروع إلى محطة الفضاء الدولية لن يكون سهلاً. وتقول: لا شك في أن تحقيق المشروع على أرض الواقع سيكون عملية صعبة وتحمل الكثير من التحديات. ومع ذلك، فإننا مصممون على التغلب على هذه العقبات لنرى تجربتنا مستمرة حتى النهاية. بعض هذه التحديات تشمل إبقاء الخلايا حية من دون طاقة خال عملية الإطاق، والعمل مع الموائع الدقيقة، وأتمتة التجربة بأكملها، والتحكم بالحرارة والرطوبة. لحسن الحظ، لدينا دعم وكالة الإمارات للفضاء وأساتذتنا وزملائنا لذلك نحن متفائلون بشأن نجاح المشروع.

بشكل إجمالي، استقطبت المسابقة 70 طلباً، وأعلنت النتائج بالتزامن مع المؤتمر الدولي للفضاء؛ وهو تجمع لقادة الصناعة الفضائية الدولية أقيم مؤخراً في أبوظبي.

في السنوات الأخيرة، ركزت دولة الإمارات بشكل كبير على الفضاء والتعليم. في إبريل، مثاً، أطلق مركز محمد بن راشد للفضاء مبادرة «جيل الأمل »، الهادفة إلى مساعدة المدارس على تشجيع الطاب على دراسة تخصصات العلوم، التكنولوجيا، الهندسة والرياضيات، وإثارة فضولهم تجاه علوم الفضاء والاستكشافات.

كيف يؤثر الفضاء في جسم الإنسان؟

جسم الإنسان مهيأ للحياة على الأرض، فماذا يحدث عندما نغادر كوكبنا الأم؟

الدماغ
الإشعاع الكوني، والضغط، والأرق ومحاولة إعادة توجيه منظومة توازن الجسم، كلها عوامل تعني أن دماغ رائد الفضاء يتكيف باستمرار خلال الوجود في الفضاء.

العينان
يعاني الكثير من رواد الفضاء من فقدان نسبي للبصر، وعلى الرغم من أن الأسباب غير مفهومة تماماً، فمن المعتقد أن ذلك عائدٌ لارتفاع الضغط داخل الرأس. كما أن الأشعة الكونية، التي يمتصها الغلاف الجوي في العادة، تخلق ومضات ضوئية مؤقتة.

العمود الفقري
يصبح رواد الفضاء أطول في الفضاء، فعلى الأرض تضغط الجاذبية عمودنا الفقري، أما عندما تكون الجاذبية ضعيفة، فيكون باستطاعة المسافة بين الفقرات أن تتمدد.

العضلات
في الفضاء، لا تحتاج العضلات لحمل الجسم. ومع الوقت تضعف العضلات وتبدأ بالتدهور؛ لذلك يجب على رواد الفضاء التدرب يومياً لمنع حصول ذلك.

القلب
في الفضاء، لا يحتاج القلب للعمل جاهداً لضخّ الدم حول الجسم. لذلك فإنه ينكمش، ما يسبب لرواد الفضاء مشكلات في القلب عندما يعودون إلى الأرض.

العظام
مثل عضلاتنا، لا يحتاج الجسم للعظام كثيراً في الجاذبية الصغرى. ومن دون تدريب، تتدهور وتصبح ضعيفة وهشة.

الدم
عادة ما يندفع الدم إلى القدمين بفعل الجاذبية. لكن في الفضاء، يندفع الدم والسوائل إلى الرأس، ما يجعل وجوه رواد الفضاء منتفخة.