Dubai Digital Authority - هيئة دبي الرقمية

Contrast

Use toggle below to switch the contrast

Contrast

Read Speaker

Listen to the content of the page by clicking play on Listen

screen reader button

Text Size

Use the buttons below to increase or decrease the text size

A-
A
A+

معركة معايير الاستدامة

هاورد ديفيز

إدنبرة ــ يبدو أنَّ مؤتمر الأمم المتحدة الأخير بشأن تغيُّر المناخ (COP26) الذي استضافته مدينة جلاسجو كان نجاحًا تاريخيًّا. بلغنا هذا التصريح عن سلطة لا تقل عن رئيس وزراء المملكة المتحدة بوريس جونسون، الذي تصادف أنه كان مضيف الاجتماع. كان رئيس المؤتمر ألوك شارما أيضًا متفائلًا بعد ذلك في ما يتعلق بهدف اتفاقية باريس للمناخ التي أبرمت عام 2015 والمتمثل في الحد من زيادة درجات حرارة الأرض بما لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة. قال شارما: "بدأنا بالقول بأننا نريد الإبقاء على هدف الدرجة ونصف الدرجة المئوية في متناول اليد. وقد فعلنا ذلك". وزعم جونسون أنَّ هناك بعض الاختلاف بين اتفاق مؤتمر جلاسجو المقترح بشأن "التخلص التدريجي" من استخدام الفحم والنص النهائي الذي اكتفى بالتعهد "بخفض استخدام الفحم تدريجيًّا".

تبنى آخرون وجهة نظر مختلفة. فكما كان متوقعًا، وصَـفَـت الناشطة السويدية في مجال المناخ جريتا ثونبرج المؤتمر بشكل قاطع بأنه "فاشل". وتتوقَّع المجموعة البحثية المعنية بتتبع العمل المناخي أنه حتى في حال الوفاء بكل تعهدات مؤتمر جلاسجو التي تمتد إلى المستقبل، فإنَّ كوكب الأرض يظلُّ على مسار يقود إلى ارتفاع درجات الحرارة بما لا يقل عن 2.1 درجة مئوية. وتمارس الهند التخلص التدريجي بمفهوم الزيادة التدريجية، حيث من المتوقع أن يزيد توليد الكهرباء بإحراق الفحم بنحو 5% سنويًّا هذا العقد. حتى إنَّ مارتن وولف من صحيفة الفاينانشال تايمز قرر التحوط في رهاناته. فهو يرى أنَّ المؤتمر "كان انتصارًا وكارثة في آن واحد".

لكن من منظور قطاع الأعمال الخاص، وخاصة البنوك وغيرها من الشركات المالية، ربما يثبت المؤتمر الذي انعقد على ضفاف نهر كلايد الباردة في جلاسجو كونه لحظة فاصلة. فبرغم أنَّ سحابة غبار الفحم حجبت قضايا أخرى، فقد حقَّق التجمع بعض التقدم الملحوظ.

لنتأمل هنا قضية رئيسية تعوق التقدم نحو تخضير قطاع الأعمال: غياب أي إطار عمل واضح ومتفق عليه في عموم الأمر للإبلاغ عن التأثير المناخي المترتب على نشاط الشركات. لا تكمن المشكلة في عدم وجود إطار على الإطلاق، بل في حقيقة مفادها أنَّ العديد من النماذج المتنافسة تقدم تصورات مختلفة.

عمل مجلس معايير محاسبة الاستدامة (SASB) في الولايات المتحدة، الذي أنشأته مؤسَّسة الإبلاغ عن القيمة (VRF) ودعمته مؤسَّسة بلومبرج، على تطوير نموذج واحد. وعكف المنتدى الاقتصادي العالمي (WEF) على تطوير نموذج آخر. كما أنتجت مبادرة التقارير العالمية (GRI)، ومقرها أمستردام، مجموعة واسعة من معايير الاستدامة. ويوصي فريق العمل المعني بالإفصاح المالي المتعلق بالمناخ (TCFD)، الذي عقده مجلس الاستقرار المالي (FSB) في بازل، بمجموعة من بيانات الإفصاح التي تبنتها العديد من البنوك تحت ضغط من الهيئات التنظيمية ــ وكثيرون منهم أعضاء في شبكة تخضير النظام المالي (NGFS).

قد يتبادر إلى ذهنك أنَّ هذا القدر من الاختصارات كاف تمامًا لفقرة واحدة. لكن مختصرًا آخر دخل ميدان المعركة في جلاسجو. فقد أعلن رئيس أمناء مؤسَّسة المعايير الدولية للإبلاغ، إركي ليكانين، عن إنشاء مجلس معايير الاستدامة الدولية (ISSB) ليجلس جنبًا إلى جنب مع نسل المؤسَّسة الآخر، مجلس معايير المحاسبة الدولية (IASB). سيكون مقر مجلس الإدارة الجديد في فرانكفورت (لا شكَّ أنَّ الألمان سيتجنبون إنشاء اختصار آخر بدمج الكلمات الأربع في كلمة واحدة). وسوف يسعى مجلس معايير الاستدامة الدولية إلى إنتاج معايير من شأنها أن "تساعد المستثمرين على فهم الكيفية التي تستجيب بها الشركات للقضايا البيئية والاجتماعية وقضايا الحوكمة (ESG)، مثل المناخ، للإبلاغ عن قرارات تخصيص رأس المال".

لا شكَّ أنَّ التوحيد القياسي ضروري، والمنظمة التي أنتجت مجموعة من معايير المحاسبة الدولية تبدو وكأنها الهيئة الواضحة التي ينبغي لها شغل هذه الوظيفة. ولكن هل يجتذب مجلس معايير الاستدامة الدولية القدر الكافي من الدعم لربط الاختصارات الأخرى معًا وإحراز قصب السبق؟

تتمثل إحدى المشكلات الواضحة في أنَّ الأميركيين، بعد سنوات من الجهود التي بذلها مجلس معايير المحاسبة الدولية للتوفيق بين معاييره ومعايير الهيئات الأميركية، لم يتبنوا هذه المعايير حتى الآن ويبدو أنهم من غير المرجح أن يفعلوا ذلك. ونظرًا للمعارضة من جانب القسم الأعظم من صناعة المحاسبة في الولايات المتحدة، فإنَّ هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية كارهة للدفع بهذه الفكرة إلى الكونجرس المتشكك.

لا يخلو الأمر أيضًا من تردد على الجانب الآخر من الأطلسي، حيث كانت المفوضية الأوروبية تعمل على تصنيفها الخاص للأصول الخضراء والبنية. في مقابلة وزعها مشرفو البنك المركزي الأوروبي على البنوك في الأسبوع اللاحق لإعلان مجلس معايير الاستدامة الدولية في مؤتمر جلاسجو، ناقش جون بيريجان، المدير العام للخدمات المالية في المفوضية، تصنيف الاتحاد الأوروبي وخططه لوضع الضوابط التنظيمية الخاصة بالإفصاح عن الاستدامة المالية، دون أن يشير إلى مجلس معايير الاستدامة الدولية.

كما لم يذكر بيريجان مبادرة القطاع المالي الرئيسة الأخرى التي انبثقت عن مؤتمر جلاسجو: تحالف جلاسجو المالي من أجل الصِّـفر الصافي (GFANZ) الذي شكله مارك كارني، رئيس مجلس الاستقرار المالي السابق الذي يشغل الآن منصب مبعوث الأمم المتحدة الخاص للعمل المناخي والتمويل المناخي. جمع كارني 450 بنكًا وشركة تأمين، لحشد تريليونات الدولارات من رأس المال لتمويل إزالة الكربون في البلدان الناشئة والنامية، بين أهداف أخرى. كان الرقم الذي ذكره على وجه التحديد 130 تريليون دولار، وقد أثار هذا بعض الشكوك، لكن حجم الطموح مثير للإعجاب، وقد انضمت معظم البنوك إلى الخطة.

تعكس هذه التطورات التغير الهائل الذي طرأ على رأي القطاع المالي بشأن تغير المناخ في السنوات القليلة الأخيرة. أسهم الضغط الذي مارسه بعض المستثمرين الصريحين في هذا التحول، في حين كشفت اختبارات الإجهاد التنظيمية عن ضعف محافظ القروض في مواجهة درجات الحرارة المتزايدة الارتفاع وزيادات أسعار الكربون التي تحركها السياسات. لكن القائمين على البنوك بشر أيضًا. وهم يعتقدون الآن أنهم سينامون بسهولة أكبر ويصبحون قادرين على النظر في أعين أبنائهم إذا كانوا جزءًا من التحول الأخضر، بدلًا من كونهم رافضين قصيري النظر يمولون الطن الأخير من الفحم المستخرج من الأرض وآخر برميل من خام برنت.

ربما يستمد القائمون على البنوك الأدوات التي يحتاجون إليها لمساعدة عملائهم في تمويل وإدارة التحول الأخضر من مجلس معايير الاستدامة الدولية وتحالف جلاسجو المالي من أجل الصِّـفر الصافي. وإذا دفنت السلطات الأميركية والأوروبية خلافاتها، فإنها بذلك تسمح بترجمة هذه النوايا الحسنة إلى عمل أكثر فاعلية. وربما يستلزم هذا الإقلال من الاختصارات ــ والأهم من ذلك، تحديد مسار أوضح للوصول إلى الصِّفر الصافي.

ترجمة: إبراهيم محمد علي            Translated by: Ibrahim M. Ali

هاورد ديفيز رئيس مجلس إدارة مجموعة NatWest.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2021.
www.project-syndicate.org