Dubai Digital Authority - هيئة دبي الرقمية

Contrast

Use toggle below to switch the contrast

Contrast

Read Speaker

Listen to the content of the page by clicking play on Listen

screen reader button

Text Size

Use the buttons below to increase or decrease the text size

A-
A
A+

بناء ميزانية عمومية للأرض الواحدة

أندرو شنج، شياو قنج

هونج كونج ــ كانت الأزمة المالية العالمية التي اندلعت عام 2008 سببًا في تغيير الطريقة التي ينظر بها العالم إلى الميزانيات العمومية. والآن، تنشأ الحاجة إلى تحوُّل أكثر عمقًا ــ تحول يدرك حدود المحاسبة الضيقة على المستوى الوطني.

توازن الميزانيات العمومية. هذا هو جمال مسك الدفاتر ذات القيد المزدوج: يجب أن تكون أصول أي كيان اقتصادي مساوية لخصومه (الموجودات والمطلوبات). وإذا لم تكن كذلك ــ عندما يكون الدخل من الأصول، بما في ذلك القدرة على تأمين التمويل الإضافي، أقل من الالتزامات المرتبطة بالخصوم ــ تصبح الأزمات حتمية.

لعقود عديدة، لم يُـعِـر أهل الاقتصاد القدر اللازم من الاهتمام للمخزونات من الأصول والخصوم الواردة في الميزانيات العمومية. بدلاً من ذلك، ركزوا على التدفقات، مثل الناتج المحلي الإجمالي، والمدخرات، والتجارة.

ثمَّ تغير هذا في عام 2008. لقد ذَكَّـرَت الأزمة المالية العالمية العالم بأنَّ الخصوم، عندما تكون مخفية في أدوات خارج الميزانية العمومية أو في الخارج، تنتهي بها الحال على حد تعبير المستثمر الأميركي وارين بافيت إلى التحوُّل إلى "أسلحة دمار شامل مالية". وكما تبين لنا بوضوح، فإنَّ الكوارث الكلية تتألف من مكونات جزئية ومحلية، والتي تجاهلها صنّاع السياسات أو فاتهم إدراك أهميتها.

بعد الأزمة المالية العالمية، بدأت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تحث بلدانها الأعضاء على إنتاج ميزانيات عمومية وطنية تعمل على تمكين السلطات من مراقبة ليس فقط الفائض أو العجز المالي والتجاري، بل وأيضًا حجم الديون الخاصة والعامة ونسب المديونية. اليوم، تنتج بلدان مجموعة العشرين ميزانيات عمومية وطنية، وإن كانت متفاوتة الجودة.

لكن في عالمنا الذي تحكمه العولمة، لا تعمل الاقتصادات على نحو مستقل عن بعضها بعضًا. لهذا السبب قام معهد ماكينزي العالمي بتجميع ميزانية عمومية "عالمية" تشتمل على أصول وخصوم أكبر عشرة اقتصادات وطنية على مستوى العالم ــ أستراليا، وكندا، والصين، وفرنسا، وألمانيا، واليابان، والمكسيك، والسويد، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة ــ والتي تشكّل معًا 60% من الدخل العالمي.

في العقدين الأول والثاني من هذا القرن، تضخمت هذه الميزانية العمومية المشتركة، على الرغم من النمو الفاتر الذي سجله الناتج المحلي الإجمالي العالمي. فقد تنامى إجمالي الأصول من 440 تريليون دولار أميركي (نحو 13.2 ضعف الناتج المحلي الإجمالي في عام 2000) إلى أكثر من 1.5 كوادريليون في عام 2020. ونما صافي قيمة الاقتصاد (الأصول ناقص الخصوم) من 160 تريليون دولار إلى 510 تريليون دولار (زيادة بنسبة 219%).

على المستوى العالمي المجمع، يعادل صافي القيمة قيمة الأصول الحقيقية، لأنَّ الأصول والخصوم المالية تلغي بعضها بعضًا. ولكن لأنَّ سعر المال يتأثر بكمية النقود (التي تخلقها البنوك التجارية والبنوك المركزية من خلال زيادة الدين)، فإنَّ هذه القيمة تنمو مع انخفاض أسعار الفائدة وعائدات الريع.

منذ عام 2000، عملت أسعار الفائدة المنخفضة على تغذية زيادات أسعار الأصول فوق معدلات التضخم، حيث يمثل الادخار والاستثمار 28% فقط من إجمالي النمو في صافي القيمة. نتيجة لهذا، كان صافي القيمة في عام 2020 أعلى بنسبة 50%، مقارنة بالدخل، من متوسط الأمد البعيد للفترة 1970-1999. وهذا يسلط الضوء على الدور الحاسم الذي يضطلع به القطاع المالي في تحديد قيمة الأصول الحقيقية، وبالتالي أهمية محاسبة القطاع المالي في عملية صنع السياسات.

يوضح معهد ماكينزي العالمي أنه "يقترض" الميزانية العمومية ــ "أداة أساسية من عالم الشركات" ــ لتقييم صحة الاقتصاد العالمي وقدرته على الصمود. وتُـعَـد ميزانيته العمومية "العالمية" خطوة أولى جيدة. لكنها تفوت عنصرين أساسيين: رأس المال الطبيعي والبشري.

في الوقت الحالي، تدرج قِـلة من البلدان رأس المال الطبيعي والبشري في ميزانياتها العمومية. وعلى هذا فمن المستحيل أن نجزم إلى أي مدى جاء توسع صافي القيمة منذ عام 2000 على حساب رأس المال الطبيعي أو الرفاهة الاجتماعية (من خلال اتساع فجوات التفاوت على سبيل المثال).

مع تبني نظام الأمم المتحدة للمحاسبة البيئية الاقتصادية ــ محاسبة النظام الإيكولوجي هذا العام ــ أصبحت الساحة مهيأة لتحسين تسجيل رأس المال الطبيعي. لكن تنفيذ إطار العمل تأخر، ولا تزال محاسبة أشكال التفاوت الاجتماعي منقوصة. ما يدعو إلى التفاؤل أنَّ البيانات البيئية والاجتماعية وبيانات الحوكمة أصبحت متاحة على نحو متزايد ــ وخاصة من الشركات ــ ومن الممكن أن تعمل كلبنات بناء لميزانيات عمومية أكثر شمولًا.

في ظلًّ ميزانيات عمومية وطنية تعبّر عن رأس المال الطبيعي والبشري، سيكون صنّاع السياسات أفضل تجهيزًا لاتخاذ القرارات التي تعزّز رفاهة مواطنيهم والبيئة. مع ذلك، لتحقيق أقصى قدر ممكن من التأثير، يجب أن تُـدمَـج الميزانيات العمومية الوطنية في ميزانية عمومية واحدة للأرض الواحدة.

الميزانية العمومية للأرض الواحدة من شأنها أن تمكن العالم من تحسين تخصيص الموارد في المجمل، وتسليم المنافع العامة، وضمان تنمية أكثر شمولًا. على سبيل المثال، يخشى بعض الناس أن يترتب على الحفاظ على رأس المال الطبيعي والبشري وتعزيزه ضرورة قبول نمو اقتصادي شديد الانخفاض أو حتى "تراجع النمو". لكن ليست كل الاقتصادات بحاجة إلى نمو سريع. صحيح أنَّ الاقتصادات النامية والناشئة المأهولة بسكان أكثر شبابًا تحتاج إلى النمو السريع، لأنَّ نمو الدخل أمر بالغ الأهمية للحد من الفقر. لكن الاقتصادات المتقدمة المأهولة بسكان تغلب عليهم الشيخوخة قادرة على الحفاظ على مستويات معيشة مرتفعة بدون نمو سريع.

يوضح هذا كيف من الممكن أن تساعدنا الميزانية العمومية للأرض الواحدة على تجنُّب مأساة المشاعات، عندما تلاحق البلدان سياسات إفقار الجار، على حساب المنافع العامة العالمية. لكن مثل هذه الميزانية العمومية ستقطع شوطًا طويلًا نحو تجنُّب مأساة الأفق: عندما تفتقر البلدان إلى الحافز لملاحقة السياسات الفعّالة اليوم لضمان رفاهة أجيال المستقبل، وخاصة بالتصدي لتغير المناخ. ومن خلال بناء عنصر الأمد في الميزانيات العمومية، يجبرنا البعد الزمني على تبنّي وجهة نظر أبعد أمدًا.

لكي ينجح هذا، يتعيَّن علينا أن نحتضن منظور الأرض الواحدة على المستويات كافة. ذلك أن التقدم العالمي ــ على سبيل المثال، نحو تحقيق الأهداف المنصوص عليها في اتفاقية باريس للمناخ والتي أعيد تأكيدها في مؤتمر الأمم المتحدة الأخير لتغير المناخ (COP26) الذي استضافته مدينة جلاسجو ــ من الممكن أن يتجاوز مجموع الإنجازات المحلية.

كل السياسة محلية. لكنها تتشكِّل من خلال مشهد عالمي سريع التغير. والميزانية العمومية للأرض الواحدة ــ إعادة ضبط الكيفية التي نقيس بها الثروة العالمية من القاعدة إلى القمة ــ هي وحدها الكفيلة بضمان تحرك البلدان نحو مستقبل أفضل للجميع.

ترجمة: إبراهيم محمد علي  Translated by: Ibrahim M. Ali

أندرو شنج زميل متميز في معهد آسيا العالمي في جامعة هونج كونج، وعضو المجلس الاستشاري لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة لشؤون التمويل المستدام. شياو قنج رئيس مؤسسة هونج كونج للتمويل الدولي، وأستاذ ومدير معهد السياسة والممارسة التابع لمعهد شينزن للتمويل في جامعة هونج كونج الصينية في شينزن.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2021.
www.project-syndicate.org