Dubai Digital Authority - هيئة دبي الرقمية

Contrast

Use toggle below to switch the contrast

Contrast

Read Speaker

Listen to the content of the page by clicking play on Listen

screen reader button

Text Size

Use the buttons below to increase or decrease the text size

A-
A
A+

أوروبا ..بين برنامج المعاملات النقدية و«حماية النقل»

ويليم بيوتر

أطلق البنك المركزي الأوروبي مؤخراً أداة حماية النقل (TPI) بهدف منع تجزؤ السياسة النقدية داخل منطقة اليورو. الواقع أن هذه الأداة، التي أُعـلِـن عنها بعد اجتماع مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي في الحادي والعشرين من يوليو مباشرة، طغت على الأخبار عن اعتزام البنك المركزي الأوروبي رفع سعر الفائدة الرسمي بمقدار 50 نقطة أساس، وهذا أكثر من المتوقع لكنه أقل من المطلوب في ظل حالة الاقتصاد الكلي وتفويض استقرار الأسعار.

وفقاً للبيان الصحافي الصادر عن البنك المركزي الأوروبي، فإن أداة حماية النقل «ستكون إضافة إلى مجموعة أدوات مجلس الإدارة ومن الممكن تنشيطها لمواجهة ديناميكيات السوق غير المبررة وغير المنظمة التي تشكل تهديداً خطيراً لانتقال السياسة النقدية عبر منطقة اليورو».

في حالة استيفاء بعض المعايير المحددة سلفاً، فإن «نظام اليورو سيكون قادراً على إجراء عمليات شراء في السوق الثانوية للأوراق المالية الصادرة في الولايات القضائية التي تشهد تدهوراً في شروط التمويل التي لا تضمنها الأساسيات في كل بلد على حِـدة، للتصدي للمخاطر التي تهدد آلية النقل».

أستطيع أن أتفهم الحجة الاقتصادية لصالح إنشاء مرفق يعمل كملاذ أخير لصنع السوق، أو بالأحرى الملاذ الأخير للشراء عندما تتدهور سيولة السوق مادياً في أسواق الديون السيادية (وفي أسواق الأوراق المالية الخاصة ذات الأهمية الجهازية). قد تكون الأسواق المالية متقلبة ولا يمكن التعويل عليها. فهي تعمل وفقاً لأنظمة معقدة وغير خطية ومن الممكن أن تتأرجح على نحو فوضوي بين الوفرة الطائشة والـجَـزَع غير المبرر.

الواقع أن نوبات الخوف والذعر الذاتية المشروعية من الممكن أن تتسبب في نضوب سيولة السوق. في عالَـم يتسم بتوازنات متعددة، قد تعمل حتى الأسواق المالية التي تتمتع بالكفاءة فنياً على توليد فقاعات أسعار غير مرغوبة، مما يؤدي إلى اندلاع أزمات الديون وحالات العجز عن السداد.

السؤال ليس ما إذا كان من المستحسن أن يكون لدينا مرفق لمشتريات الأصول الطارئة يديره البنك المركزي ــ الكيان الوحيد في منطقة اليورو الذي يمتلك جيوباً عميقة بلا نهاية لاستيعاب الديون المقومة باليورو. ولكن ما الذي يدفع البنك المركزي الأوروبي إلى إنشاء أداة حماية النقل برغم أنه يمتلك بالفعل البديل المناسب تماماً: برنامج المعاملات النقدية الصريحة (OMT)؟

الإجابة ليست مشجعة حقاً من منظور أولئك الذين يساورهم القلق إزاء الاستئثار المالي في منطقة اليورو. الواقع أن الشروط المالية المرتبطة ببرنامج المعاملات النقدية الصريحة أقوى كثيراً من تلك المطبقة على أداة حماية النقل.

ومع بدء العمل بأداة حماية النقل، ربما تجازف حكومات الدول الأعضاء الآن بالتخلف عن سداد ديونها السيادية بدلاً من الخضوع لشروط برنامج المعاملات النقدية الصريحة. علاوة على ذلك، تنطوي أداة حماية النقل أيضاً على ميزات أخرى قد تجعلها أفضل من برنامج المعاملات النقدية الصريحة.

من المؤكد أن مشتريات برنامج المعاملات النقدية الصريحة وأداة حماية النقل مفتوحة من حيث المبدأ، وكل منهما تسمح للبنك المركزي الأوروبي بشراء ديون ذات درجات استثمار فرعي (اليونانية على سبيل المثال). بموجب كلا المرفقين، يقبل نظام اليورو ذات المعاملة (بالتساوي) التي يلقاها الدائنون من القطاع الخاص أو غير ذلك.

لكن السيولة التي يجري إنشاؤها من خلال برنامج المعاملات النقدية الصريحة يجب أن تكون معقمة بالكامل من قِـبَـل البنك المركزي الأوروبي للحد من التأثير على سعر صرف اليورو، في حين أن أداة حماية النقل أكثر مرونة إلى حد ما.

وما دام البنك المركزي الأوروبي ملتزماً بعدم ترك بصمة دائمة على الميزانية العمومية لنظام اليورو ــ وبالتالي على موقف السياسة النقدية ــ تستطيع أداة حماية النقل شراء مجموعة أوسع من الأصول.

على سبيل المثال، يمكنها شراء أوراق مالية ذات آجال استحقاق متبقية تتراوح من سنة إلى عشر سنوات، في حين يقتصر الشراء من خلال برنامج المعاملات النقدية الصريحة على آجال الاستحقاق المتبقية من سنة إلى ثلاث سنوات؛ وعلى النقيض من برنامج المعاملات النقدية الصريحة، يجوز لأداة حماية النقل شراء أوراق مالية خاصة.

يشترط برنامج المعاملات النقدية الصريحة أيضاً أن تكون الجهة السيادية قادرة على الوصول إلى أسواق السندات (أو أن تكون في الطريق لاستعادة القدرة على الوصول إليها) قبل أن تتأهل ديونها للشراء في السوق الثانوية. من المفترض أن «الوصول إلى السوق» هنا يعني القدرة على الوصول إلى إصدارات السوق الأولية.

لكن من الواضح أن هذا عيب في البرنامج، خاصة وأن احتياجات المقترض من التمويل (ومكاسب الكفاءة الاجتماعية من مشتريات الديون السيادية بموجب برنامج المعاملات النقدية الصريحة) ستكون عند أعلى مستوياتها عندما يفقد القدرة على الوصول إلى السوق.

على أية حال، يفرض برنامج المعاملات النقدية الصريحة شروط تأهل صارمة:

«من الشروط الضرورية للتأهل لبرنامج المعاملات النقدية الصريحة المشروطية الصارمة والفعالة المرتبطة ببرنامج ملائم في إطار مرفق الاستقرار المالي الأوروبي/‏آلية الاستقرار الأوروبية.

مثل هذه البرامج قد تتخذ هيئة برنامج كامل لتعديل الاقتصاد الكلي في إطار مرفق الاستقرار المالي الأوروبي/ ‏آلية الاستقرار الأوروبية أو برنامج وقائي (خط ائتمان معزز الشروط)، شريطة أن تتضمن إمكانية الشراء في السوق الأولية في إطار مرفق الاستقرار المالي الأوروبي/ ‏آلية الاستقرار الأوروبية. من الأهمية بمكان أيضاً السعي إلى إشراك صندوق النقد الدولي في تصميم المشروطية الخاصة بكل بلد ومراقبة مثل هذه البرامج».

على النقيض من هذا، لا تذكر متطلبات التأهل لأداة حماية النقل صندوق النقد الدولي أو الحاجة إلى التوافق مع برنامج مرفق الاستقرار المالي الأوروبي/ ‏آلية الاستقرار الأوروبية، بل تفرض ثلاثة معايير رئيسية.

أولاً، يجب أن تمتثل حكومة البلد العضو لإطار الاتحاد الأوروبي المالي، بمعنى أنها لا تخضع لإجراءات العجز المفرط ولم تفشل في اتخاذ تدابير فعالة في الاستجابة لتوصية مجلس الاتحاد الأوروبي.

ثانياً، يتعين على الحكومة أن تُـثـبِـت غياب أي اختلالات توازن حادة تعيب الاقتصاد الكلي، أي أنها ليست خاضعة لإجراءات اختلال التوازن المفرط ولم تفشل في التصرف بناء على توصية مجلس الاتحاد الأوروبي. وثالثاً، يجب أن تثبت الاستدامة المالية، استناداً إلى تحليلات القدرة على تحمل الديون من قِبَـل المفوضية الأوروبية، وآلية الاستقرار الأوروبي، وصندوق النقد الدولي، بين جهات أخرى.

تكمن المشكلة في هذه الشروط في سهولة تزويرها. والآن بعد انتهت النوبة النادرة من الاستقرار المالي في إيطاليا، في أعقاب استقالة رئيس الوزراء، رئيس البنك المركزي الأوروبي السابق، ماريو دراجي، أخشى أن مشتريات أداة حماية النقل من الديون السيادية الإيطالية لن تنتظر حتى انتخابات إيطاليا في سبتمبر.

علاوة على ذلك، هناك بالفعل قائمة طويلة من البلدان الأعضاء الأخرى في منطقة اليورو التي من المحتمل أن تطلب دعم أداة حماية النقل، بما في ذلك اليونان (على الرغم من متوسط أجل استحقاق دينها العام المبهر الذي يبلغ 18 عاماً)، والبرتغال، وإسبانيا، وفرنسا، وبلجيكا، وقبرص.

فالآن بدأت أسعار الفائدة الخالية من المخاطر تعود إلى وضعها الطبيعي، كما يجري تسعير المخاطر السيادية بقدر أكبر من القوة، وتتجه أوروبا إلى الركود. ومع انخفاض التضخم، سيزداد نمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي ضَـعفا.

وسوف يمنع الشلل السياسي واسع الانتشار الإحكام المالي الضروري. في مواجهة الاختيار بين إعادة هيكلة الديون والقدرة على الوصول إلى أداة حماية النقل، سيقوم البنك المركزي الأوروبي بتفعيل أداة حماية النقل.

يتعين على القادة الأوروبيين الذين يسعون إلى التكيف مع هذه الظروف الجديدة أن ينتبهوا تماماً إلى السبب وراء عدم تفعيل برنامج المعاملات النقدية الصريحة مطلقاً منذ إنشائه في سبتمبر 2012. كانت مصداقية قيادة البنك المركزي الأوروبي أحد العوامل، والتي تمثلت في بيان دراجي الشهير في يوليو 2012، الذي قال فيه: «ضمن تفويضنا، البنك المركزي الأوروبي على استعداد للقيام بكل ما يلزم للحفاظ على اليورو. وصدقوني، سيكون ذلك كافياً».

لكن سبباً آخر يتلخص في أن حكومات منطقة اليورو الهشة مالياً كانت عازفة عن الخضوع لشروط التأهل لبرامج المعاملات النقدية الصريحة. الآن، تقدم أداة حماية النقل دعماً مالياً فائقاً مع الحد الأدنى من الشروط. خمن لأي منهما ستكون الـغَـلَـبة.