Dubai Digital Authority - هيئة دبي الرقمية

Contrast

Use toggle below to switch the contrast

Contrast

Read Speaker

Listen to the content of the page by clicking play on Listen

screen reader button

Text Size

Use the buttons below to increase or decrease the text size

A-
A
A+

السباق الصيني الأمريكي نحو الصفر

أندرو شنغ وشياو جين

هونغ كونغ- بينما تستعد فيه الولايات المتحدة لتصحيح جذري في مسار تغير المناخ، تبذل الصين المزيد من الجهود في هذا المجال. لقد أصبح العمل المناخي جبهة أخرى في المنافسة بين أكبر قوتين اقتصادين في العالم. فمن سيعبر خط نهاية صافي الانبعاثات أولاً؟

إنَّ الرئيس الأمريكي المنتخب، جو بايدن، على استعداد للانطلاق بسرعة في عمله؛ فقد تعهَّد بالانضمام إلى اتفاقية باريس للمناخ في أول يوم له في منصبه، وتعهَّد بوضع جهود الحد من الانبعاثات، ووظائف الطاقة النظيفة، في قلب عملية صنع السياسة الاقتصادية لإدارته، بهدف تحقيق صافي انبعاثات صفرية في موعد لا يتجاوز 2050. وللمضي قدماً في تحقيق هذه الأهداف، أنشأ مكتباً جديداً لسياسة المناخ في البيت الأبيض، وعيّن فريقاً من المهنيين ذوي الخبرة في المناصب الرئيسة. فعلى سبيل المثال، سيعمل وزير الخارجية السابق، جون كيري، مبعوثاً دولياً بشأن تغير المناخ.

كذلك، تعهَّد الرئيس الصيني، شي جين بين، بتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2060. كما أنه تعهد، في قمة الطموح المناخي الأخيرة، بتخفيض مستوى انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الصين منذ عام2005  بنسبة 65٪ على الأقل بحلول عام 2030، أي بزيادة عن هدفه الذي يحدده سابقاً في نسبة أقصاها 65٪.

إنَّ التكاليف الاقتصادية لتحقيق هذه الأهداف لن تكون باهظة. إذ تفيد تقديرات لجنة تحوُّلات الطاقة أنَّ الصين يمكنها تحقيق اقتصاد خالٍ من الكربون بحلول عام 2050. بتكلفة أقل من 0.6٪ من الناتج المحلي الإجمالي. ويمكن أن تنجح الولايات المتحدة بتكلفة 0.4٪ فقط من الناتج المحلي الإجمالي، وفقاً لشبكة حلول التنمية المستدامة.

ولكن حتى إذا كانت الولايات المتحدة والصين تتجهان نحو خط النهاية نفسه، فمن المحتمل أن يسلكا مسارات مختلفة تماماً. فعلى سبيل المثال، نظراً لخبرة الصين الواسعة في إعادة التشجير، من المرجح أن تكون أكثر تركيزا على عزل الكربون الطبيعي مقارنة مع الولايات المتحدة. فقد وعد قادتها بالفعل بالزيادة من مساحة الغابات بنسبة ستة مليارات متر مكعب خلال العقد المقبل.

وفضلا ًعن ذلك، اعتمدت الصين بالفعل في مسارها خطة أكثر تفصيلاً بكثير من خطة الولايات المتحدة. إذ قام قادة البلاد بتضمين أهداف المناخ في مخطط التنمية الاقتصادية ذي النطاق الأوسع- بما في ذلك استراتيجية صنِع في الصين الصناعية لعام2025 - والتي تتضمن أيضًا أهدافًا تكنولوجية وصناعية.

وينظر المخططون الاقتصاديون الصينيون إلى رؤية حياد الكربون على أنه أساس للتحول إلى النمو والتنمية عاليي الجودة. وتماشيًا مع هذا النهج، نشرت مؤسسة الطاقة الصينية، في الآونة الأخيرة، تقريرًا يفحص مسارات الوفاء بتعهد حياد الكربون، وتحقيق رؤية الحكومة للنمو الاقتصادي والتنمية.

وإذا أرادت الولايات المتحدة تحقيق الحياد الكربوني بحلول منتصف القرن، فسيتعين على إدارة بايدن اتباع نهج شامل مماثل، والذي يشمل أيضًا خلق فرص الشغل والابتكار التكنولوجي. وطالما يدرك بايدن ذلك، فسيبدأ من الصفر بطرق شتى. إذ على مدى السنوات الأربع الماضية، لم يفشل الرئيس دونالد ترامب في اتخاذ إجراءات مناخية فحسب؛ بل عمل على تقويضها على نحو نشيط، مثل الحد من القوانين التنظيمية للحفاظ على البيئية.

والنبأ السار هو أنَّ بايدن لديه إطار عمل لمساعدة إدارته على النجاح: خطة عمل شبكة التنمية المستدامة لتحقيق الحياد الكربوني. فعلى غرار الاستراتيجية الصينية، تركز الشبكة على ستة قطاعات رئيسة تستخدم الطاقة بكثافة وهي: توليد الطاقة، والنقل، والبناء، والصناعة، واستخدام الأراضي، وإنتاج المواد، وجميعها يسهم إلى حد كبير في انبعاثات الكربون، وتدهور الموارد الطبيعية.

وعلى عكس الصين، فإنَّ الولايات المتحدة لديها هيكل فيدرالي ونظام سياسي ديمقراطي. ومن هذا المنظور، لن يتطلب تنفيذ استراتيجية مثل خطة عمل لتحقيق الحياد الكربوني قيادة فيدرالية قوية وتمويلًا كبيرًا فقط، بل سيتطلب أيضًا التعاون مع حكومات الولايات والحكومات المحلية، ومشاركة القطاع الخاص، ومشاركة عامة واسعة النطاق.

وفضلاً عن ذلك، لتنفيذ إصلاحات جريئة، سيتعيَّن على إدارة بايدن التغلب على مقاومة الجمهوريين، الذين يعارضون العمل المناخي القوي، ويرفضون فكرة السياسة الصناعية لأسباب أيديولوجية. كما أنه من المحتمل أيضًا ظهور تحديات قانونية بسبب المصالح الخاصة القوية.

وهذا لا يعني أنَّ صنع السياسة الاقتصادية في الصين هو مجرد مسألة يعالجها كبار المسؤولين. بل على العكس من ذلك، تدين الصين بنجاحها الاقتصادي للتجارب على المستوى المحلي، والتكيف المستمر مع الظروف المتغيرة، والتطبيق الواسع النطاق للمقاربات المثبتة.

وفضلًا عن ذلك، على الرغم من سمعة الصين الاستبدادية، فإنَّ عمليات صنع سياستها تشمل آليات ردود الفعل التي تمكن القادة من الاستجابة لاحتياجات الناس. فعلى سبيل المثال، أثناء التحضير لمؤتمر العمل الاقتصادي المركزي السنوي، حيث يضع قادة الصين سياسات وأهدافًا للعام التالي، تتشاور مجموعات العمل مع المسؤولين المحليين لاكتساب فهم واضح للظروف على أرض الواقع، والتماس الآراء من الخبراء الخارجيين، كما هي الحال في البنك الدولي.

وتوفر الأسواق آلية ملاحظات مهمة أخرى. فعلى عكس الاعتقاد السائد خارج الصين، تضطلع الأسواق بدور مهم- ومتوسع- في تخصيص الموارد، وخلق فرص الشغل، وتنسيق العرض والطلب، وتحفيز الابتكار. وتطالب الطبقة المتوسطة السريعة النمو في الصين، على وجه الخصوص، بظروف بيئية أفضل، بدلاً من مجرد نمو الناتج المحلي الإجمالي.

ومع ذلك، يضع نظام الحكم المركزي في الصين، على العموم، قادته في وضع أفضل من الولايات المتحدة لتنفيذ إصلاحات جريئة، والانخراط في تخطيط شامل طويل الأجل. ومن المرجَّح أن تكافح الصين لفهم حجم الأنشطة الاقتصادية التي تستهلك الطاقة بكثافة ونطاقها وتكاليفها، لا سيما بالمقارنة مع تكاليف دورة حياة الطاقة الخضراء، والمواد، وأنظمة النقل، والتقنيات الصناعية والزراعية، ونهج استخدام الأراضي.

وهذا هو المكان الذي يمكن أن تساعد فيه "المنافسة البناءة" مع الولايات المتحدة، ربما في شكل "المعاملة بالمثل المستهدفة". وكما جادل وزير الخزانة الأمريكي الأسبق، هنري بولسون، أخيرًا، بدلاً من المطالبة بالمعاملة بالمثل في "أي شيء وكل شيء تفعله الصين"، ينبغي على الولايات المتحدة "توجيه مطالبها بالمعاملة بالمثل في القطاعات والمناطق التي تتفوَّق فيها"، وفي "أكثرها تنافسية" والتي تتمتَّع بـ"أقصى مستوى من الدعم". وقد يعني هذا تبادل المعرفة حول التقنيات الخضراء، مقابل مزيد من الشفافية ومعايير مشتركة أعلى.

وهناك القليل من مجالات السياسة التي يؤدي فيها التقدم في بلد أو بلدين إلى جعل كل شخص على هذا الكوكب في وضع أفضل. ولكن، إذا وصلت الصين والولايات المتحدة- أكبر دولتين مسببتين لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم- إلى مستوى صافٍ صفري بحلول منتصف القرن، فهذا ما سيحدث. وستؤدي استراتيجية المنافسة البنّاءة، بدلاً من السباق الحاد، إلى وصول كلا البلدين إلى خط النهاية بوتيرة أسرع.

ترجمة: نعيمة أبروش  Translated by Naaima Abarouch

يشغل أندرو شنغ منصب زميل متميز في معهد آسيا العالمي بجامعة هونغ كونغ، وعضو في المجلس الاستشاري لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة بشأن التمويل المستدام. ويشغل شياو جينغ، منصب رئيس مجلس إدارة مؤسسة هونغ كونغ للتمويل الدولي، ومنصب أستاذ ومدير في معهد أبحاث طريق الحرير البحري في كلية HSBC  للأعمال بجامعة بكين.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org