Dubai Digital Authority - هيئة دبي الرقمية

Contrast

Use toggle below to switch the contrast

Contrast

Read Speaker

Listen to the content of the page by clicking play on Listen

screen reader button

Text Size

Use the buttons below to increase or decrease the text size

A-
A
A+

بأي شيء نضاهي الركود الذي جلبته الجائحة؟

مايكل جيه. بوسكين

ستانفورد ــ يبدو أنَّ الركود العميق غير المسبوق تاريخياً الذي أحدثته جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) تجاوز مرحلة الأزمة في أغلب البلدان. لكن التوقعات الرسمية والخاصة الحالية، إذا صحَّت، تشير ضمناً إلى أنَّ أغلب الاقتصادات لن تعود إلى ذروات الأداء السابقة قبل أواخر عام 2022. يتوقَّف قدر كبير من الأمر ليس فقط على تطوُّر الجائحة ونشر العلاجات واللقاح بطريقة فعّالة، بل وأيضاً على السياسات النقدية والمالية والتجارية والتنظيمية المتبعة. وعلى هذا، يقوم صُنّاع السياسات والمعلقون بفحص الأحداث السابقة بحثاً عن استجابة فعّـالة.

تتباين جميع فترات الركود من حيث السبب المباشر الذي أدى إلى حدوثها. جاءت العديد من فترات الركود بعد الحرب العالمية الثانية في الولايات المتحدة في أعقاب فترات من تشديد السياسة النقدية من قِـبَـل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي للسيطرة على التضخُّم المتزايد الارتفاع. أتى الركود العميق في الفترة من 1973 إلى 1975، ثمَّ الركود الذي تلاه خلال الفترة من 1981 إلى 1982، في أعقاب صدمات نفطية ضخمة (عندما كان الاقتصاد يعتمد بشدة على واردات الطاقة أكثر من حاله الآن). وجاءت فترة الركود في عام 2001 بعد انفجار فقاعة الدوت كوم.

على النقيض من هذا، كان الركود العظيم في أميركا في الفترة بين 2008 إلى 2009 راجعاً إلى أزمة أحدثتها المؤسَّسات المالية المفرطة المديونية. انخرطت الولايات المتحدة في شكل من أشكال الهندسة الاجتماعية المتسلسلة لتمديد قروض الإسكان لأشخاص ما كان من الممكن اعتبارهم مؤهلين لها تقليدياً، مما أدى إلى ارتفاع أسعار المساكن ونسب ديون الأسر إلى مستويات غير مستدامة. وتسبَّب الانحدار اللاحق في أسعار المساكن وانفجار حبس الرهن العقاري والبطالة في إلحاق الضرر الشديد بالطلب الكلي، مما أدى إلى الركود الرئيس الثالث في فترة ما بعد الحرب.

وأخيراً، جاء الركود الذي أحدثته أزمة كوفيد-19 في أعقاب إجراءات الإغلاق غير المسبوقة التي أوقفت الاقتصاد الشخصي "غير الأساسي" بالكامل. وسرعان ما تحوَّل ما بدأ كصدمة ضخمة على جانب العرض إلى نقص في الطلب، نظرًا للزيادة السريعة في البطالة، وارتفاع مستويات عدم اليقين بشأن آفاق التعافي، والتسوق عبر الإنترنت فقط، وزيادة الادخار الشخصي.

في أعقاب الركود العميق يأتي عادة التعافي السريع، كما يتضح لنا من سنوات نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي فوق مستوى 4% في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين. على نحو مماثل، يأتي في أعقاب فترات الركود المعتدل ــ كتلك في الفترة من 1990 إلى 1991 ــ عادة فترات من التعافي الأبطأ نسبياً. وقد أطلق ميلتون فريدمان، رجل الاقتصاد الحائز جائزة نوبل، على هذه الظاهرة مسمّى "تأثير النقر" (في الإشارة إلى النقر على أوتار الكمان بالأصابع بدلاً من القوس).

لكن الركود العظيم بعد عام 2008 تلته ثماني سنوات من النمو السنوي بنصف السرعة (2%). الواقع أنَّ التعافي القوي كمثل التعافي من فترات الركود العميق السابقة كان لينقذ ما يقرب من 20 مليون سنة عمل (وظيفة واحدة بدوام كامل لمدة عام) على مدار أربع سنوات. ربما نجد تفسيرات عديدة محتملة لهذا القصور في الأداء. يتلخص أحدها في أنَّ محاولة الحكومة إعادة هندسة قطاعات عريضة من الاقتصاد من خلال برنامج "أوباما كير"، والخدمات المصرفية، وتنظيم الطاقة، تسببت في قدر عظيم من عدم اليقين فضلاً عن تثبيط توظيف العمالة والاستثمار؛ ويتمثَّل آخر في أنَّ الاستجابة السياسية عملت على تقويض حوافز العمل.

أطلق الركود العظيم العنان لسلسلة من التدابير النقدية والمالية لتحفيز الاقتصاد. كان بنك الاحتياطي الفيدرالي يتمتَّع بحيِّز كبير لخفض سعر الفائدة المستهدف من 5% إلى الصِّـفر، وقد تركه عند مستوى الصفر لسبع سنوات، في حين قام بتنظيم عمليات الإنقاذ، وحواجز الدعم، وخطوط مقايضة العملة، ومشتريات الأصول بقيمة بلغت نحو 3 تريليونات دولار من سندات الخزانة والأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري. ولكن في ذلك الحين بدأ تضاؤل العائدات. الواقع أنَّ إضافة تريليون دولار أخرى إلى فائض الاحتياطيات التي لا تقدَّم كقروض ــ والتي يدفع عليها الاحتياطي الفيدرالي فائدة ــ لا يفيد الاقتصاد كثيراً.

في عام 2007، كانت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة 35%. في أعقاب الأزمة المالية، لاحقت الولايات المتحدة تدابير مالية شملت حزمة التحفيز لعام 2009 والتي تجاوزت 800 مليار دولار، ثمَّ فاتورة الإعفاء الضريبي وإعانات البطالة المماثلة الحجم لعام 2010، وغير ذلك من التدابير، بما في ذلك برنامج "النقد مقابل السيارات القديمة" بقيمة 3 مليارات دولار. بحلول عام 2013، ارتفعت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من الضعف، لتصل إلى 72%. وفي النهاية، حتى بعد التعديل للتعبير عن تأثيرات دورة الأعمال، واجهت إدارة أوباما أكبر عجز في الموازنة بين كل الإدارات السابقة منذ الحرب العالمية الثانية ــ وإن كانت إدارة ترامب تجاوزت هذا الرقم القياسي الآن.

توقع أتباع جون ماينارد كينز طوال فترة ما بعد عام 2008 تعافياً أقوى كثيراً مما حدث (الواقع أنَّ خبراء الاقتصاد في إدارة أوباما استخدموا مضاعفات الإنفاق ثلاث مرات أعلى من التقديرات الأكاديمية الحالية). إحقاقاً للحق، كان عدم اليقين عظيماً وسط الأزمة. ومع ذلك، لم تحقِّق القرارات السياسية ما وعدت به. من بين الأخطاء الرئيسة كان فشل الرئيس باراك أوباما في تبنّي التوصيات المعقولة بخفض العجز التي اقترحتها لجنة سيمبسون-باولز، التي قام بتشكيلها شخصياً.

قبل جائحة كوفيد-19، كانت البطالة منخفضة بدرجة غير مسبوقة تاريخياً، وكان التضخم تحت السيطرة، وكانت أعباء ديون الأسر أقل كثيراً نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بما كانت عليه قبل الركود العظيم. كانت ديون الشركات مرتفعة، لكن تكاليف خدمتها كانت معقولة. وكان الحيز المتاح لبنك الاحتياطي الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة أقل، وتضخمت ميزانيته العمومية إلى ما يقرب من 4 تريليونات دولار. وفي ظل الرئيس دونالد ترامب، ظلت مستويات عجز الموازنة الفيدرالية والديون هائلة بمعايير أوقات السلم المزدهرة.

في الاستجابة للجائحة، سارع بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى تبنّي سياسة سعر الفائدة صِفر، وقدم الدعم للعديد من الأسواق، ووسع ميزانيته العمومية إلى أكثر من 7 تريليونات دولار، متخلياً عن نهجه التدرجي التقليدي. وكانت التدابير المالية التي أقرَّها الكونجرس لدعم الشركات والأسر بلغت بالفعل عدة تريليونات من الدولارات. الآن أصدر ترامب أوامر تنفيذية تستهدف تأجيل ضرائب الرواتب وتزويد الأسر بمدفوعات إضافية. وتشمل أوجه عدم اليقين احتمال وجود إدارة ديمقراطية وكونجرس ديمقراطي في العام المقبل، وهو ما يعني في الأرجح ملاحقة توسُّع كبير فيما يتصل بالضرائب، والإنفاق، والضوابط التنظيمية في عام 2021.

ولأنَّ التعافي من الركود العظيم بعد عام 2008 كان بطيئاً للغاية على الرغم من الانتعاش القوي في سوق الأسهم، فإن قِـلَّة من المراقبين في بداية هذا العام كانوا ينظرون إليها كنموذج للاستجابة لركود كبير آخر. في الأمد البعيد، تميل الاختلافات في معدلات النمو الاقتصادي وتحقيق التوسُّعات المستمرة الطويلة الأجل إلى أن تكون ما يتذكره الناس عندما يبحثون عن الدروس.

في حال الركود الناجم عن جائحة كوفيد-19، ترتبط الظروف الاقتصادية بشكل وثيق بمسار الجائحة إلى الحد الذي يصبح من غير الممكن معه التنبؤ بأي قدر من اليقين بمسار التعافي. كان انخفاض الناتج وتشغيل العمالة أكبر كثيراً، كما حدث بسرعة أكبر كثيراً، مقارنة بالركود العظيم، ويبدو أنَّ التعافي السريع على هيئة حرف V بدأ يتباطأ ــ ومن المرجح أن يستمرَّ بوتيرة أكثر تواضعاً. تشمل التأثيرات الطويلة الأمد المرجحة خسارة فادحة تتكبَّدها الشركات الصغيرة ورأس المال البشري (بسبب البطالة والتعليم عبر الإنترنت فقط)، والعمل عن بُـعـد بشكل أكثر دواماً؛ وتسارع التحوُّل الرقمي، وزيادة التركيز وتراجع المنافسة في بعض القطاعات.

تشير الدروس التجريبية القائمة على البحث الأكاديمي إلى أنَّ صُنّاع السياسات يجب أن يعملوا على تأخير الضوابط التنظيمية الجديدة إلى أن يتعافى الاقتصاد، مع تركيز التدابير المالية الإضافية على خفض الضرائب وتنفيذ خطة ضبط مالية جديرة بالثقة حسبما تقتضي الظروف، من أجل تجنب الانزلاق إلى حال أسوأ عند وصول الأزمة الكبرى التالية.

ترجمة: إبراهيم محمد علي          Translated by: Ibrahim M. Ali

مايكل جيه. بوسكين أستاذ علوم الاقتصاد في جامعة ستانفورد، وكبير زملاء مؤسسة هوفر، وكان يشغل منصب رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين في إدارة الرئيس السابق جورج بوش الأب.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org